الخيال العلمي هو نوع قصصي بدأ في الأصل من الأعمال الأدبية، وسطع لاحقًا كفن في السينما. كمحب لهذا النوع من الأعمال أجد نفسي مفتونًا بقدرته على نسج تصورات مستقبلية واعتباره محركًا للأفكار المبتكرة في العلوم والتكنولوجيا. إنه عالم مليء بالإلهام حيث يبرز عبقرية الإنسان في خلق عالمٍ بديع. بحكم مشاهدتي وقراءتي للكثير من الأعمال، يسعدني أن أعبر عن استياء شديد تجاه التصورات الخاطئة حول هذا النوع الفني ومشاركتها معك عزيزي القارئ وكذلك حول الأفكار الضارة والآثار السلبية التي أحدثها.

ظاهرة الخيال العلمي

تستمد أعمال الخيال العلمي سحرها من قدرتها على نقلنا إلى عالم مستقبلي مليئ بالتكنولوجيا والابتكار كالإزدهار في العمران وطرق نقلِِ فائقة وآلات صُنعت لخدمة الإنسان فهي مصدرًا رئيسيًا للإلهام والتفاؤل، ولكن وراء هذا الزخم الإبداعي تكمن مساوئ فكرية تتعرض لها الكثير من المجتمعات خاصةً الغربية منها! الظاهرة الحالية تكمن في التحول الذي طرأ على نظرة الناس إلى التكنولوجيا والعلوم، حيث أصبحوا يرون فيهما مصدرًا للقدرة الكاملة على تحقيق المعجزات. يبدو أن هذا الإيمان المطلق بقدرات العلم قد أدى إلى تطور غير مسبوق في النظرة الثقافية تجاههما، أُعِدَ تصوير العلم والتكنولوجيا كقوة خارقة قادرة على إحداث تحولات كبيرة في حياة البشر.

بات الناس يشعرون بالدهشة تجاه قدرات العلم والتكنولوجيا في تحسين حياتهم بشكل جذري، وتحقيق إنجازات يعتبرونها سابقة لعصرهم، وأصبحت تعتبر بديلاً دينيًا لكثيرِِ من الناس، هذه النظرة وهذا المعتقد مستمدان من هذا الخيال. وإن كان عادةً الخيال العلمي يُلقي الضوء على مخاوفنا العميقة ويعكس تأثير التقدم التكنولوجي على حياتنا ومجتمعاتنا وإن كان طابع هذه الأعمال مأساوي فإن المشاهد يأخذ الجانب المشرق البحت منها من تطور بشري فكرى وثقافي وتطور المدن والآلت والوظائف.

دين العلم

عالم الخيال العلمي حيث يتم تصوير المستقبل بطريقة تثير التساؤلات حول تأثير التكنولوجيا على الإنسانية. تخلق افكاراً تولدٌ أسئلةً مثل هل سيحقق الإنسان الخلود حقا أو هل سنستطيع إعادة الأموات إلى الحياة؟ هل سنغزوا الفضاء أم هل سيستطيع البشر تأمين الغذاء والمسكن بل وحتى الرفاهية مستغنين عن العمل؟! تبدو أفكار خيال علمي عادية لكن هل ستصدقني لو قلت لك أنها تَعدت مرحلة كونها مجرد خيال وباتت حقيقة في أذهان البعض؟ أصبحت هذه الإيمانات المطلقة أحيانًا تؤدي إلى تبني أفكار متطرفة حول إمكانيات العلم. يرونها كوسيلة لتحقيق الخلود البشري وإعادة البشر إلى الحياة، مما يميل إلى خلق توقعات لا واقعية حول المستقبل. ينطلق البعض في التصديق بأن العلم قادر على تحقيق أي شيء، حتى إمكانية السفر عبر الزمن، وهو ما يعكس فهمًا خاطئًا للإمكانيات الحالية للعلم والتكنولوجيا. إن استهلاك أعمال الخيال هذه زرعَ الإيمان عند الكثير بواقعية حدوث هذه المستحيلات! وإن كان الكثير من هذه الأعمال تلمس الجوانب المظلمة والتأثيرات السلبية المحتملة.

هذا الدين المفترض في التكنولوجيا يثير قلقًا بشأن فقدان التوازن والوعي. يتمثل التحدي في ضرورة التفكير بحذر حول الآفاق المستقبلية وتحديد الحدود لتفادي الانزلاق إلى مسارات خيالية لا واقعية. أري أن على المجتمعات أن تعزز الوعي العلمي وتشجع على نظرة نقدية تجاه التكنولوجيا، مع التأكيد على أنها أداة قوية يجب استخدامها بحذر لتحسين جودة الحياة وليس لتحقيق مفاهيم خيالية للخلود والقدرات الخارقة. ينبغي لنا أن نتذكر أن العلم لا يعد حلا نهائيًا لجميع مشاكل الإنسانية. يجب أن يتم التفكير في توجيه التقنية بشكل أخلاقي ومستدام، بما يحقق التوازن بين التقدم والحفاظ على قيمنا الإنسانية.

آثار الخيال العلمي التي تحدث بالفعل

علم التجميد: تقنية تهدف إلى حفظ الجثث البشرية أو الحيوانية بالتبريد في درجة حرارة منخفضة للغاية (عادة أقل من -130 درجة مئوية) في محاولة للحفاظ عليها حتى يتمكن العلماء في المستقبل من إحيائها. يالسخف حقا! يتسابق المشاهر لأنفاق مبالغ ضخمة لحفظ أجسادهم بعد الموت على أمل أن يأتي مستقبلٌ حيث إعادة الأموات إلى الحياة ممكنا! تبلغ تكلفة حفظ الجسم بالكامل بالتبريد في ألكور لايف إكستينشن(مؤسسة تجميد بشرية) 200 ألف دولار، بينما تبلغ تكلفة حفظ الرأس فقط 80 ألف دولار. تم تجميد أكثر من 300 شخص حتى الآن وفقا لمقال الجزيرة، بما في ذلك المشاهير مثل باريس هيلتون وبيتر ثيل وستيف أوكي.

تنبأ خاطئ للمستقبل

أصعب جزءِِ لمؤلفي الخيال العلمي في الأعمال الأدبية والفنية هو تصور المستقبل من تكنولجيا متطورة تبدو منطقية في منطق محدد وتوقع العادات الجديدة الدخيلة على المجتمعات ولا ننسى آثار هذه التقنيات الثورية، عادةً الخيال العلمي يكتب بطريقة مأساوية في واقع ديستوبي كما ذكرت سابقاً حيث معدل الحرية ينخفض وقيمةُ الإنسان لنفسه تتلاشى وقوى جبارة سواء حكومة أو شركة عملاقة هي المسيطر تلتف عليها خيوط الغموض والريبة! لم يعد على المؤلفين فقط تخيل مستقبل حيث السيارات الطائرة والآليين يجوبون الشوارع(مثل فلم I robot) ومجتمع مسالم وبيئة نظيفة! في الحقيقة لو أن أحدهم كتب قصة هكذا عالمها ستكون غاية في السطحية والسذاجة، الخيال العملي مثل ما كان له إسهامات كبيرة في جعل اختراعات ترى النور أيضا توقع بمستقبل خاطئِِ تماما! بعض توقعات الخيال العلمي كان يُعتقد حتمية حدوثها، هناك كثير من أعمل القرن المنصرم توقعت بمستقبل عن الألفية الجديدة كان أشبه بالخيال!! حتى الناس آمنوا بمستقبل حيث الآلات تجوب الشوارع وإمكانية تغيير هيكل الجسم بسهولة ومركبات طائرة كوسيلة نقل أساسية!! ربما قد يستطيع الإنسان صنع سيارات طائرة لكن استحالة أن تكون هذه طريقة المواصلات الأساسية! نعم استحالة حدوث هذا في عالم يتوجه نحو تقليل استهلاك الطاقة بشكل جنوني وخفض الانبعاثات الكربونة ولا ننسى أن دول العالم المتقدمة تقلل من النقل العام عموما وتشجع على المشي، المدن الحديثة كلها بنيت بآلية تقلل استخدام المواصلات من سيارات ونقل عام قدر الإمكان، وأيضا لن نرى آليين يجوبون الشوارع لأن الشوارع مكتظة بالفعل بالناس ولا يوجد وظيفيا فائدة من هذا بل هذا سيزرع الخوف بين الناس وعدم الإطمئنان، واستحالة تغيير جسم الإنسان بيولوجيا أو آليا واستحالة رؤية انتقال آني استنادا إلى خواص الكتلة وأيضا البشر لن يحققوا الخلود أبداً!

الخيال العمي المتقن

أفكار الخيال العلمي الجيدة التي نُسجت بتصور منطقي وواعي عن المستقبل هي تلك التي تتصور فقدان الخصوصية والرقابة الزائدة. القوة في التحكم الشديد في حياة الأفراد، حيث يتم مراقبة كل تحرك وتصرف بواسطة حواسيب عملاقة. وتلك التي تطرح تساؤلات حول مدى التوازن بين التقدم التكنولوجي وحقوق الإنسان. مخاوف بيئية وصراعات متصاعدة حول الموارد. مستقبل حيث تؤثر التكنولوجيا بشكل كبير على البيئة، سواء كان ذلك بسبب استهلاك الموارد أو التأثيرات السلبية على التوازن البيئي. فشل التنمية المستدامة وضرورة التوازن بين التقدم التكنولوجي وحماية البيئة.

قضايا الهوية وتحول البشرية أيضًا هي أفكار عبقرية لأعمال خيال علمي ممتازة، حيث يتم تجسيد تأثير التكنولوجيا على الجسم البشري، سواء كان ذلك من خلال التحسينات البيولوجية أو التكنولوجيا الفائقة التي تعيد تشكيل الهوية والجودة البشرية.

ما هو الحل؟

يجب توجيه الإيمان بالتكنولوجيا نحو تطلعات واقعية. يُشدد على ضرورة تعزيز التثقيف العلمي لدى الجمهور لفهم حدود وإمكانيات التكنولوجيا بشكلٍ صحيح. يعد التفكير النقدي حول التكنولوجيا والتحقق من مصادر المعلومات ضرورة حتمية لتجنب الوقوع في الافتراضات الخاطئة.

من الضروري أيضًا التشجيع على النقاش العام حول الأخلاقيات المتعلقة بتقدم التكنولوجيا والعلوم، وضمان أن القرارات المتعلقة بتطبيقها تتم بشكل ديمقراطي ومستنير. يجب على الجميع المشاركة في صياغة سياسات التكنولوجيا لضمان استخدامها بطريقة تخدم الإنسانية بشكل فعّال.

في الختام الخيال العلمي مرآة تكنولوجية تعكس الآمال والمخاوف التي يمكن أن تصاحب التقدم العلمي. إنه يدفعنا للتفكير في تأثيرات الابتكار والتكنولوجيا على حياتنا ويحثنا على تبني أسلوب حذر تجاه التقدم السريع. يجب أن يشجعنا الخيال هذا على النظر إلى مستقبلنا بعيون حذرة ووعي بالتحديات الأخلاقية والاجتماعية التي قد تنشأ نتيجة لهذا التقدم، يتعين علينا أن نحترس من الجانب المظلم الذي قد ينشأ نتيجةً لإيمان مفرط بتكنولوجيا المستقبل. يجب علينا أن نسعى إلى تحقيق توازن صحي بين التقدم والحفاظ على قيمنا وأخلاقياتنا. من خلال الوعي والتعليم يمكننا توجيه التقنية نحو مستقبل أكثر استدامة وإيجابية، حيث تكون البشرية هي المستفيدة الرئيسية من التحولات العلمية والتكنولوجية.

مبهر أيضا!